التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية
التكامل الشـامل موضوع سـكن الوجدان العربي منذ زمن طويل، وحلّ هدفاً من مواثيق ومعاهدات رسـمية منذ خمسـينات القرن الماضي. وقد ارتقت هذه المواثيق في أهدافها فتجاوزت عصرها، ولكنها نكصت في وعودها فتركت الوهن يتسلل إلى مفاصل الأمة وخيبة الأمل إلى نفوس شعوبها. وولّـد تعثّـر مرشوعات التكامل العربي جدالً حول إمكانية تحقيقه بين متشـائم لا يرى سـوى العقبـات الخارجية والداخلية التي تحول دونه، ومتفائل منغمس في جميع مقومات التكامل من وحدة اللغة والثقافة والتاريخ المشترك وميزة الجوار الجغرافي، يـرى تجـارب تكاملية أخـرى في العالم الحديث تكللـت بالنجاح حتى بغياب جلّ هـذه المقومات، فيزداد قناعـة بجدوى التكامل وضرورته سبيلاً لتحقيق تنمية ونهضة للمنطقة العربية طالت الجوار وامتنعت عنها. وإزاء مد تحرري اجتاح المنطقة بموجة مـن الإمكانـات والاحتمالات، انتقلـت جملة من الطموحات العربية مـن حيّز المرتجى البعيد إلى حيز المرغـوب القريب. وأياً تكن نوعية التغيير المتأتي عن هذا المد التحرري، فهو يتيح فرصة لوقفة تأمل حول مواضيع متشـعبة تتصل بمسـار الوطن العربي ومسـتقبله، حري بأن يكون التكامل في مقدّمتها. ويتنـاول هـذا التقريـر موضـوع التكامل من وجهة ما يزخر به الماضي من دروس، وما يصطـدم به الحاضر من عوائق، وما يتطلبه المستقبل من رؤى تحوِّل الفرص والفرص الضائعة إلى محرك لامتداد حضاري إنساني متكامل وحيوي، يبقى مهما تأخر تحقيقه هو السبيل إلى النهضة الإنسانية الشاملة في عموم الوطن العربي.